أريد فتوى حول القروض التي تمنحها الدولة للمقاولين الشباب. هل هي حرام أم لا؟

السؤال :

أريد فتوى حول القروضالتي تمنحها الدولة للمقاولين الشباب. هل هي حرام أم لا؟جزاكم اللهخيرا.

الجواب :

الأستاذ عبد العظيم صغيري أستاذ الدراسات الإسلامية بمدرسة المعلمين ببني ملال بالمغرب:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وإخوانه وحزبه وبعد:
فإن ما تقوم به الدولة من مساعدات للمقاولين الشباب يعتبر عملا نبيلا،ومقصدها من تمكينهم من رأسمال كاف لتمويل مشاريعهم مقصد شريف، يدخل في مهامهاويندرج في مساعيها الحميدة لإدماج هؤلاء الشبان في سوق الشغل وتخفيف العبء عنالقطاع العام، من خلال تشجيع المبادرات الخاصة وتقديم قروض بتسهيلات مناسبة فيالأداء.
لكن شرف هذه الغايات ونبلها رهين بنوعية الوسائل المعتمدة وموافقتهالشرعنا الحنيف، لذلك فإن الأصل في القروض التي تمنحها الدولة للشباب يجب أن تكونقروضا حسنة بدون فوائد.
وقد جرت العادة أن تقدم الدولة قروضا للمقاولين الشبابوتمهلهم فترات كافية للأداء حتى تستوي مشاريعهم على سوقها، ثم يسددون المستحقاتالتي عليهم بأقساطَ يُـتفق على مقدارها ومُدَدِها. ويتم هذا التمويل بواسطة مؤسساتالدولة المختصة في هذا الشأن، أو عن طريق الأبناك التي تتعاقد معها الدولة علىتخفيض نسب الفوائد إلى أدنى حد ممكن .
إن محل النزاع هنا ليس في شرعية هذاالتعامل لأنه لا خلاف في حِرْمته، لكونه قرضا جر نفعا مشروطا(1) ومن ثم فهو عقدربوي واضح(2)، بل في تحديد حقيقة الضرورة ومدى توفرها في حالتك أيها الأخ الكريموحالة أغلب المقاولين الشباب مثلك، الذين ما لجؤوا لهذه القروض الربوية إلا لحاجتهموقلة ذات يدهم:
لقد تواطأ رأي أعلام هذه الأمة على أن الاقتراض الربوي لا يجوزإلا عند الضرورة الملجئة التي تتحقق عند الخوف على النفس من الهلاك(3)، وعرفوهابأنها: "حالة احتياجٍ واضطرارٍ شديدين يؤدي عدم مراعاتها إلى التَّلفِ وإهدارِالمصالح التي هي أعظم مقاصد الشرع"(4) بمعنى أن الإنسان إن لم يقترض بفائدة لن يجدما يقيم به صُلبه، ولا ما يستر به عورته(5)، ولا ما يحفظ به كرامته وماء وجهه بينالناس.
لذلك فإن الحصول على قرض ربوي لا يكون ضرورة شرعية في حقك إلا إذا لم تجدوسيلة للعيش وستر العورة وحفظ الكرامة إلا بهذه الوسيلة، وذلك بعد أن تكون قداستنفدت جهدك في البحث عن ممول لمشروعك من الخواص والعوام، وطرقتَ جميع السبلالمشروعة (التوظيف، التجارة بالمشاركة أو المضاربة، الأعمال الحرة ولو بالإجارة ...إلخ) (6)، وسـُدَّت أمامك جميع الأبواب والسبل، وصرت في وضع لا مخرج منه إلاالتعامل بالربا للضرورة. لذلك فإن القادر على توفير دخل يكفيه حاجاته الضرورية عنطريق الوظيفة أو التجارة أو المقاولة لا يشْمَلُهُ وصفُ الضرورة أعلاه.
مع هذا،لابد من التأكيد على أن المرجع في تحديد الضرورة يختلف باختلاف الأشخاص والظروفوالأحوال، استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك، وقس حالتك بالمقياس الذي وضعهالعلماء للضرورة، وأنت -دون غيرك- هو المؤهل لتحديد مدى شمول الضرورة لك من عدمه،واستخر مولاك في أن يختار لك الاختيار الأمثل، والله يهديني وإياك إلىالصواب.

الهوامش:
(1) انظر تفصيل ذلك في كتاب الدكتور سعديأبو جيب: "الربا والفائدة" وهو من أحسن الكتب التي درست هذا الموضوع وفصلته (ط1 ، 1414/ 1994، دار القادري، دمشق).
(2) بحث هذا الموضوع في المؤتمر الثاني لمجمعالفقه الإسلامي المنعقد بجدة من 10 ـ 16 ربيع الثاني 1406 هـ، الموافق 22 ـ 28ديسمبر 1985 م وكذا في مؤتمره السادس المنعقد أيضا بجدة من 17 إلي 23 شعبان 1410 ـ 14 إلى 20 مارس 1990 وخلُص المؤتمرون إلى "أن كل زيادة أو فائدة على الدين الذي حلأجله وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة (أو الفائدة) على القرضمنذ بداية العقد : هاتان الصورتان ربا محرم شرعا".
(3) الشرح الكبير مع حاشيةالدسوقي ج 2 ص 115 دار الفكر.
(4) فقه الضرورة وتطبيقاته المعاصرة ص: 51 عبدالوهاب إبراهيم أبو سليمان.
(5) د. وهبة الزحيلي ص: 159 مجلة المجمع الفقهيالإسلامي، عدد 16.
(6) لابد من التنبيه هنا إلى خطورة الأفكار التي صارت منالمسلمات لدى شباب اليوم والقاضية بأن لا حل يرجى لأزماتهم المادية والنفسية إلابالتوفر على مشروع يؤمن حاجاتهم ومستلزمات عيشهم، وهي مستلزمات قد لا نخطئ إذا قلناأن أغلبها من الكماليات عند تمحيص النظر في طبيعتها وأنواعها.