النبوغ
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
النبوغ
للأديب / مصطفى لطفي المنفلوطي
من العجز أن يزدري المرء نفسه فلا يقيم لها وزناً، وأن ينظر إلى من فوقه من الناس نظر الحيوان الأعجم إلى الحيوان الناطق، وعندي أن من يخطئ في تقدير قيمته مستعلياً خير ممن يخطئ في تقديرها متدلياً؛ فإن الرجل إذا صغرت نفسه في عين نفسه يأبى لها من أعماله وأطواره إلا ما يشاكل منزلتها عنده؛ فتراه صغيراً في علمه، صغيراً في أدبه، صغيراً في مروءته وهمته، صغيراً في ميوله وأهوائه، صغيراً في جميع شؤونه وأعماله؛ فإن عظمت نفسه عظم بجانبها كل ما كان صغيراً في جانب النفس الصغيرة.
ولقد سأل أحدُ الأئمة العظماء ولدَه - وكان نجيباً -: أيُّ غاية تطلب في حياتك يا بني؟ وأي رجل من عظماء الرجال تحب أن تكون ؟
فأجابه: أحب أن أكون مثلك، فقال: ويحك يا بني لقد صغَّرت نفسك، وسقطت همتك؛ فلتبك على عقلك البواكي، لقد قدّرت لنفسي يا بني في مبدأ نشأتي أن أكون كعلي بن أبي طالب؛ فما زلت أجدُّ، وأكدح حتى بلغتُ تلك المنزلة التي تراها، وبيني وبين علي ما تعلم، من الشأو البعيد والمدى الشاسع؛ فهل يسرك، وقد طلبت منزلتي أن يكون ما بينك وبيني من المدى مثل ما بيني وبين عليّ ؟
كثيراً ما يخطئ الناس في التفريق بين التواضع وصغر النفس، وبين الكبر وعلو الهمة، فيحسبون المتذلل المتملق الدنيء متواضعاً، ويسمون الرجل إذا رفع بنفسه عن الدنايا، وعرف حقيقة منزلته من المجتمع الإنساني متكبراً.
وما التواضع إلا الأدب، ولا الكبر إلا سوء الأدب؛ فالرجل الذي يلقاك متبسماً متهللاً، ويقبل عليك بوجهه، ويصغي إليك إذا حدثته ويزورك مهنئاً ومعزي- ليس صغير النفس كما يظنون، بل هو عظيمها؛ لأنه وجد التواضع أليق بعظمة نفسه؛ فتواضع، والأدبَ أرفعَ لشأنه؛ فتأدب.
فتى كان عذب الروح لا من غضاضة * ولكنَّ كبراً أن يقال به iiكبر |
فإذا بلغ الذل بالرجل ذو الفضل أن ينكس رأسه للكبراء، ويتهافت على أيديهم وأقدامهم لثماً وتقبيلاً، و يتبذل بمخالطة السوقة والغوغاء بلا ضرورة ولا سبب، ويكثر من شتم نفسه، وتحقيرها، ورميها بالجهل والغبارة، ويبصبص برأسه، وهو سائر في طريقة بصبصة الكلب بذنبه، ويجلس في مدارج الطرق، وعلى أفواه الدروب جلسة البائس المسكين- فاعلم أنه صغير النفس، ساقط الهمة، لا متواضع، ولا متأدب.
إن علو الهمة إذا لم يخالطه كبر يزري به، ويدعو صاحبه إلى التنطع وسوء العشرة - كان أحسنَ ذريعة يتذرع بها الإنسان إلى النبوغ في هذه الحياة، وليس في الناس من هو أحوج إلى علو الهمة من طالب العلم؛ لأن حاجة الأمة إلى نبوغه أكثر من حاجتها إلى نبوغ سواه من الصانعين والمحترفين، وهل الصانعون والمحترفون إلا حسنة من حسناته، وأثر من آثاره؟
بل هو البحر الزاخر الذي تستقي منه الجداول والغدران.
فيا طالب العلم كن عالي الهمة، ولا يكن نظرك في تاريخ عظماء الرجال نظراً يبعث في قلبك الرهبة والهيبة؛ فتتضاءل وتتصاغر كما يفعل الجبان المستطار حينما يسمع قصة من قصص الحروب، أو خرافة من خرافات الجان، وحذار أن يملك اليأس عليك قوتك وشجاعتك؛ فتستسلم استسلام العاجز الضعيف.
R.F.Z- عضو مميز
- عدد الرسائل : 67
العمر : 38
تاريخ التسجيل : 15/12/2007
رد: النبوغ
حقا فقد يتفوق المؤمن بهمته العالية كما بيَّن ذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه
وسلم في قوله:
" سبق درهم مائة ألف "، قالوا: يا رسول الله ، كيف يسبق درهم مائة ألف ؟! ،
قال:" رجل كان له درهمان ، فأخذ أحدهما ، فتصدق به ، وآخر له مال كثير ،فأخذ من عَرْضها مائة ألف "رواه أحمد وغيره
فإذا عزمت فتوكل على الله
موضوعك هادف فشكرا لك
وسلم في قوله:
" سبق درهم مائة ألف "، قالوا: يا رسول الله ، كيف يسبق درهم مائة ألف ؟! ،
قال:" رجل كان له درهمان ، فأخذ أحدهما ، فتصدق به ، وآخر له مال كثير ،فأخذ من عَرْضها مائة ألف "رواه أحمد وغيره
فإذا عزمت فتوكل على الله
موضوعك هادف فشكرا لك
zineb- مدير
- عدد الرسائل : 502
العمر : 37
تاريخ التسجيل : 07/08/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى