الزّهدُ الإيجابيّ
صفحة 1 من اصل 1
الزّهدُ الإيجابيّ
|
سلمان بن فهد العودة |
الزهد.. حقيقةٌ قلبيةٌ قبل أن يكون حقيقةً واقعيةً، وهو أداءٌ روحيٌّ وامتثالٌ قبل أن يكون سلوكاً محدّد المعالم.. بهذا تشهد مقاصد الشرع، وهو ما تنطبق عليه النصوص وكلام السلف والأئمة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس الغنى عن كثرة العَرَض، ولكن الغنى غنى النفس". أخرجه البخاري ومسلم. ويقول الحسن البصري: ليس الزهد بتحريم الحلال ولا بإضاعة المال، ولكن أن تكون ثقتك بما عند الله تعالى خير من ثقتك بما في يدك. وسفيان الثوري -رضي الله عنه- لما سئل عن الزهد قال: هو قصر الأمل، وليس بلبس العباء ولا بأكل الخشن والغليظ من الطعام. فالزهد هو معنًى روحيٌّ يفيض في القلب فيغذي الجوارح بإيجابية وعمل وجهد، لا بكسل وخمول وتماوت؛ فالخمود والكسل الزهدي أشكال انتقدها بصراحة وجرأة أئمة السلف والخلف والتصوف المعتدل مثل: ابن الجوزي وابن تيمية وغيرهما. وأما التخلي عن المال والدنيا فليس معنًى محموداً بإطلاق، فقد يوجد عند بعض الذين ابتلوا بكثرة الأموال أمراض معينة في نفوسهم وشخصياتهم وطبائعهم، مثل: الكِبر، والطّغيان، واحتقار الآخرين، و الادّعاء والأثرة، كما قال جل وعلا: (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى)، كما أن بعض الذين يتركون الدنيا عرضة لعيوب أخرى، مثل: عيوب الإعجاب بالنفس، واعتقاد الكمال بها، ورؤية الصلاح والخيرية فيها، وسوء الظن بالناس؛ فيرى نفسه زاهداً، وقد يعدّ هذا نوعاً من المجد والشرف، ويجدها مكانة عند الناس، فهذه أيضاً أمراض فتّاكة... والمدار في كل هذا وذاك على القلب والإرادة والقصد، فالذي يسعى للمال لنفع الناس وفتح مشاريع الخير فهو مأجور، فليس كل من سعى للمال مذموم. والزهد في المعنى الإسلامي ليس أداةً لتثبيط العزائم والتواكل، أو نقيضاً للاستمتاع الحلال، أو معارضاً للذوق أو لعمارة الأرض، بل إن المعاني السلبية لكل هذا هي إرثٌ منحرف لا يمت للدين الإسلامي بصلة، فالزهد الإسلامي معنًى يهذب الشعور والوجدان ويدفع للعمل في سبيله، والزهد عمل ٌ إيجابي رشيد . إن حبّ المال وحبّ الحياة فطرة : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)، (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا)، فالإنسان بفطرته يحب الحياة ويكره الموت، وكان أنبياء الله قدوةً في ذلك؛ يستمتعون بالخير والمال، بل إن سليمان عليه السلام طلب ملكاً لم يُؤته أحد من بعده، قال: (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي)، فكان عندهم مال يقيمون به حق الله، وما أوجب الله عليهم به. فالمال في الدنيا ليس رجساً ولا نجساً، وليس مطلوباً من المسلم أن ينأى عنهما أو يستوحش منهما بذاتهما. إن قيم الدين مرتبطة بالعمل، مرتبطة بالإيجابية، مرتبطة بالحياة، مرتبطة بالإنتاج، والأجر مرتبط بالفعل والعطاء لأداء وخدمة الآخرين، والنصوص في هذا لا تُحصى، وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: إني لأكره أن أرى الرجل بطّالاً؛ ليس في عمل الدنيا ولا في عمل الآخرة. |
R.F.Z- عضو مميز
- عدد الرسائل : 67
العمر : 38
تاريخ التسجيل : 15/12/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى